مركز تحميل الصور

السبت، 25 أكتوبر 2014

تبيت في الشوارع .وحيدة ...سعيدة...


كانت الأيام الأولى لشتاء أيام تنذر بحلول فصل ترهب قسوته كل الكائنات ...ذات مساء وسويعات قليلة تفصلني عن قدوم الليل
كنت ألج المدينة من مدخلها الشرقي والرياح تكاد تفقدني السيطرة على المقود والمطر يصب صب الدلاء من من السماء ...لم أذكر اسم المدينة مبعدا الحرج عمن قد يشعره..قلت انتهت رحلتي طبعا قبالة فندق وسط المدينة ..ركنت السيارة بجانب الطريق حيث لايتوفر الفندق على مستودع...نزلت بسرعة لاألوي على شيء متجها لقاعة الإستقبال هاربا من صفعات باردة للماء على رأسي ووجهي ...دخلت ودون إلقاء السلام قلت بصوت أنهكه السفر وتعب الطريق .... غرفة..
فأجاب العامل بحركة من رأسه جعلتني أتنفس الصعداء همست لنفسي الحمد لله...
تركت له وثيقة هويتي لأنتزع منه مفتاح غرفة لاأعرف عنها سوى رقمها وصعدت السلالم مسرعا أثوابي مبللة وأرتعش من البرد
وما إن دخلت الغرفة الا وعجلت باستبدال ملابسي وإعادة شيء من القبول لهندامي ..شعرت بالدفء فحمدت الله على نعمه التي لاتنتهي..
استلقيت على السرير لأسترجع بعض الجهد..ثم بدأت أشعر الحاجة لتناول القهوة ..القهوة بهذه المدينة مميّزة بنكهتها ...
أطللت من النافذة فإذا بالغيوم انقشعت والريح هدأت ..نزلت أتممت إجراءات التسجيل ثم خرجت الى أقرب مقهى لأصحب معي فنجانا بلاستيكيا ارتشفت جرعات قبل صعودي السيارة لأنطلق في جولة أستطلع أطراف المدينة..المياه تملأ الشوارع ..الهادئة الا من طرف بعض المارة الذين كانوا يستعجلون قضاء حوائجهم قبل أن يرخي الليل سدوله ..
كنت أتحرك على مهل ..انتهيت الى تجمع لعِمارات ...فضلت السير محاذيا لها ..لفت انتباهي امراة تجلس على الأرض وسط رزم وأمتعة تتخذ من جدار عمارة سندا لظهرها ..هو ليس موقف لحافلة لأقول أنها في حالة انتظار ..أخذ مني الفضول كل مأخذ ..وبشيء من الحذر ملت بالسيارة محاذيا لها ..فإذا بها تشير بيدها نحوي ..عرفت أنها تطلب مني الإقتراب..توقفت ونزلت أمتار قليلة تفصلني عنها ..أصابني دُوار لما رأيت أمامي..إمرأة لايتجاوز عمرها العشرين الا قليلا لاأعتقد أنها بلغت الخامسة والعشرين ..ترتدي ما يُعرف بالحجاب وتغطي رأسها بخمار بلا لون كانا ...لفرط ما علق بهما من بلل ووحل .
يا رب..
أنظر إليها فيشدني وجهها بسمرة صنعتها لفحة الشمس
حجبت بياضا لايمكن لعين متفحصة الغفلة عن سابقة وجوده..
بمسحة من جمال لو وُزِع على مئة من النساء لكفاهم شر القبح والدمامة وجه رسمت عليه يد الدهر أخاديد بؤس وشقاء....بسرعة جلت ببصري حولها أمتعة مكدسة
بأشكال مختلفة من كيس قماشي الى وسادة اتخذها قط لها..مرقدا..ومتكأ له الى أغطية كل ذلك مبلل مثلما كانت عليه ملابسها المسكينة ازرقت أطراف أصابعها وشفتين مرتجفتين من البرد تحاول نظم كلمات لايزال جرسها بنغمة حزن يقرع أذناي حد كتابة هذه السطور.....
أنقلني أرجوك الى مكان أجد فيه دفئا قبل حلول الظلام ... خانتني دمعة أشحت بوجهي عنها محاولا مسحها بطرف أصبعي ..متحاشيا انتباهها..لم أستفق من هول المنظر لأزداد دهشة بطلبها ذاك مرت بسرعة البرق في ذهني تساؤلات ..كيف أحملها وهي في حالة الضعف تلك وأين سآخذها ؟؟ أنا لاأعرف المدينة ويبدو أنه جمعتني وإياها الغربة..أما أنا فغربة السفر أما هي فغربة الحقرة...سألتها مااسمك ؟؟ أجابت سعيدة ..رحماك ربي إسم على غير مسمى ..أردفت يا سعيدة وإلى أي مكان دافئ تريدينني نقلك إليه ؟؟؟
 






أجابت :
الى أحد مداخل العمارات الله يخليك ..
عرضت عليها أن أحجز لها في أحد الفنادق تقضي ليلتها ..فرفضت قائلة بحسرة ظاهرة : ومن سيقبل باستضافتي وأنا على هذه الحال سيدي ؟؟
فهمت وكم شعرت غباوة وقعت أسرها للحظات بعرضي ذاك ...هيا قومي استعجلتها علها تنال نصيبا من دفئ داخل السيارة ..هيا قومي..رباه المسكينة تحاول النهوض ولا تستطيع ..مدّت يدها مستغيثة بمعونتي..أمسكت بيد هزيلة باردة صلبة كقطعة من الجليد ..جذبتها ثم سرعان ما خشيت أن تتألم فأخذت بيدها الثانية وأعنتها على الوقوف على قدميها حاولت المشي لم تستطع إلهي إنه البرد مؤكد والجوع يحطمان قدرتها على الحركة كان هناك صِبية حولنا .دعوتهم لمساعدتها على البقاء قائمة ثم هرعت الى السيارة واقتربت بها ناحيتها لأدفعها بحنو داخلها ثم استعنت بأولئك الصبية على حشو متاعها داخل لسيارة. ماأكثر متاعها .توجهت الى أقرب مدخل لعمارة ..وما كدت أصله الا ورأيته يوصد على عجل توجهت نحو آخر ليحدث ما حدث مع الأول ..توقفت ثم نزلت ..بسرعة أدركت سر ما حدث ...سكان العمارات يمنعون عنها المبيت في مداخلها ..مرّ بقربي شاب سلفي..صدحت في وجهي ..أخي مابال القوم يفعلون ذلك ؟؟ فأطرق مليّا ثم أجابني متحسرا..إنهم يكرهون أن يشوه منظر عمارتهم منظر المسكينة ..وأنت مالذي يمكنك فعله ..أخبرني المسكين أن لاحول ولاقوة الا بالله. لم أشأ إحراجه المسكين...ركبت ثانية ..ثم غيرت الخطة ...لحظت مدخلا مفتوحا وليس بقربه أي كان ...لم أشأ التوجه نحوه مباشرة ..أخذت طريقا معاكسة لأبعد الإنتباه وانطلقت مسرعا موحيا لهؤلاء مغادرتي ولكنني عدت من طريق أخرى مخترقا دهشتهم ولم أتوقف الا قرب مدخل لأنزل بسرعة آخذا معي شيئا من متاعها ملقيا به في مدخل العمارة ..أسقط في أيديهم...تقدم مني أحدهم ..ليمنعني فنظرت اليه نظرة من تطاير الشرر من عينيه ..وقلت ...أنت لاتملك من هذه العمارة الا عددا من غرف في شقة خاصتك ولاشان لك أبدا بخارجها فابتعد من طريقي وإلا ..قلتها بحدة أصابته ومن حوله هلعا وتراجعا ..دعوت بعض الأطفال فساعدوني على نقل باقي الأمتعة ثم عدت للمسكينة ..ودعوتها للنزول معينا لها عليه...كانت تخطو معي ببطء ..إنها أفضل من ذي قبل ..وما إن إن دخلنا الا وتوقفت ملتفتة الى الوراء صارخة متوجعة قطي.. قطي....أين هو ؟؟؟
رحماك يا رب ...المسكينة تشفق أن يكون قد أصاب قطها مكروها المسكينة ..المسكينة هل يتسع مخزون أحاسيسها للشفقة ..فتمارسها
وهي من هي في أشد الناس حاجة للشفقة ..يا لعجائب الزمن...هل تثبت مقولة ..أن فاقد الشيء لايعطيه ؟؟؟
أبدا...بعدما رأيت وشهدت بأم عيني ..إنها سعيدة رغم شقائها وبؤسها ولم تتذمر أبدا من إسم أن تنادى به كذلك الإسم ..إنها عطوفة بل تفيض حنانا ورأفة بمخلوق ضعيف الذي لم يكن سوى قطا شبيها بعشرات القطط المتشردة ..نظرت حولي لأرى الدناءة والإنحطاط للعنصر البشري في أفضع صوره...
وتذكرت لحظتها مقولة أعادها علي أحدهم..
إن النفس التي لاتتألم لمآسي المحرومين ليست جديرة أبدا بأن تحلِق في سماء الإنساينة...تركت المدينة ووجه سعيدة لايفارقني ببراءته بطيبته بابتسامة لاتبخل بها من حين لآخر ابتسامة تخترق ركاما من الضعف والحاجة والمذلة والبؤس والخوف...ابتسامة صادقة بلا تصنع ولا ابتذال ..
نعم سعيدة وبرغم ما هي فيه يطربها أن يناديها أحدهم باسمها سعيدة
ولا تنقم من أحد ولاتحاسب أحدا على ما هي فيه...سعيدة التي حكت لي في عجالة محنتها ..كانت هي رفقة أمها تعيشان عند أختها الكبرى في محل الزوج بعد أن فقدت الأب لتفقد المأوى ...
الرجل يتذمر ويهدد الزوجة ..لن أحتمل غير أمك في هذه الدار...
ولأبعد عنك أخي القارئ فكرة أن تكون سعيدة قد تخلت عن سكن الأهل طواعية ...فكم هن مثيلاتها لم يرحمهن الزمان ليحذو حذوه المكان ظلما لهن وقهرا...
 
 
من رحِمِ الذاكرة
 بـقـــــلم: عُمر
2013-09-11
 16:56





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق